برزت مقولة «على جثتي ما بتمدد لجوزيف عون» على لسان الرئيس السابق ميشال عون، الذي سارع إلى نفيها، فبلورت المستوى الرفيع للتخاطب السياسي المبني على المصلحة الوطنية العليا، والتي لا نزال نشهد فصول استنزاف مقوماتها منذ عودة جنرال الرابية إلى ربوع الوطن، وبصفقة توَّجها في حينه اتفاق «مار مخايل».
لا كيديات ولا حزازيات عندما يتعلق الأمر بهذه المصلحة، ومغرض من يدّعي العكس، ومن لا يفهم أنّ مواقف الجنرال الأكبر وصهره النادر الوجود جبران باسيل، وبمعزل عن فلتات اللسان العفوية، تنطلق من دراسات تتعلق بجوهر الحياة السياسية اللبنانية، وهدفها ليس العرقلة وصولاً الى المساهمة في نسف صيغة وجود لبنان من أساسه، انما هي ترتبط بابتكار خطة خلاقة، تمكِّن كل فرد من أفراد هذا الشعب العظيم من اكتشاف مواهبه في مواجهة أصعب التحديات والانتصار عليها ليثابر ويتفوق على نفسه حتى يستطيع البقاء على قيد الحياة وتأمين خبزه كفاف يومه. وإذا كان من الشطار قد يلتحق بالبطانة ويشارك في صناعة التاريخ، فتحل عليه النعم من حيث لا يدري.
ولا لزوم للالتفات إلى العاجزين عن استيعاب الخطر المحدق بأمتنا اللبنانية العظيمة في هذه المرحلة التاريخية الحرجة، التي تشهد صراعاً وجودياً تحت شعار «عون ضد عون»، وليس لأسباب شخصية، معاذ الله، ولكن لأنّ «موقف الرئيس عون واضح ومعلن ولا لبس فيه وليس بجديد بشأن موضوع التمديد لأي موظّف وتحديداً قادة الأجهزة والمؤسسات العسكرية والأمنية، فهو رافض كلياً لكل ما يشكل مخالفة للقوانين وللدستور الذي سبق وأقسم يمين المحافظة عليه عندما كان رئيساً».
وفي ظل حرب «عون ضد عون» كرمى لمصالح الصهر الغالي، كل ما يحصل حولنا وينعكس علينا لا قيمة له في هذه الحرب المقدسة، المهم أن ينصر عون باسيله، وبفعالية وجدية تتفوق على أسلوب نصرة «حزب الله» لـ»حركة حماس».
ولا لزوم للتوقف عند الصغائر من المسائل كاعتبار لبنان مجرّد ورقة إيرانية أو «ساحة» من الساحات التي تستخدمها طهران لإثبات أنّها القوّة المهيمنة في المنطقة، وأنّها تمارس من دون حرج وصاية أجنبية تشرعن السلاح غير الشرعي وتحوّل الدولة الى غرفة عمليات، خدمة لمحور الممانعة، وتسهِّل انتهاك الفصائل الفلسطينية بتوجيهات إيرانية الجنوب اللبناني وتحويله منصة صواريخ، لرفع العتب عن الحقيقة المرة الكامنة في أبعاد ما أوردته وكالة «رويترز» عن أنّ رئيس المكتب السياسي لـ»حركة حماس» إسماعيل هنية تبلغ من المرشد الإيراني علي خامنئي قرار عدم تدخل إيران ومعها «حزب الله» في الحرب لصالح «حماس». ولا لزوم للتوقف عند كل هذه المعطيات. المهم عدم التمديد لقائد الجيش.
في الأساس، «حرب غزة» وملحقاتها والإجرام الإسرائيلي، وإمكانية تمدده إلى لبنان مع أي مغامرة غير محسوبة تطيح بقواعد الاشتباك الحالية، ليست أهم من إصرار باسيل وتشديده على أنّ التمديد لجوزاف عون لن يمر، ومن السعي إلى تعيين قائد جديد للجيش في غياب رئيس للجمهورية، يتيح استكمال طبقة المستزلمين الأوفياء، ويعزز السلطة للصهر الرافض إمكانية انه لم يعد يملك إلا سلطة التعطيل، لأنه لا يزال مؤمناً، وبشدة، أنّ لبنان له بكل ما فيه ومن فيه، ويستطيع أن يتصرف في كل المواقع كما يريد.
وعلى الرعية أن تختار الصواب في معركة «عون ضد عون»، وتدرك بوعي ومسؤولية إلى جانب أي «عون» يجب أن تصطف، وتشكر ولي نعمتها الذي لا يسعى إلا إلى حماية الدستور الذي أصبح تحفة يمكن ضمها إلى التحف والآثار في المتحف الوطني.
*المصدر: نداء الوطن